ليعبدون

الأحد، 15 يوليو 2012

رحلة مفاجئة للدار الاخرة_ هديل الحضيف!


سم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله حمد محب له وعابد , والصلاة والسلام على خير من صعد المنابر , محمد بن عبدالله عليه وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار من الله أفضل صلاة وأزكى سلام … أما بعد :
فكم هو جميل بالإنسان أن يعايش ظروف الآخرين ؛ بل إن في ذلك دلالة على حياة قلبه وعدم أنانيته , زد على أن ذلك ينبه القلب الغافل والإنسان الخامل إلى أنه قد يأتي اليوم الذي يكون هو بنفسه عبرة وعظة لغيره ! فهل حسب ذلك الإنسان لهذه اللحظة حسابها ؟!
** نقطة نظام **
قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة!
وجرى كتابة قدر الإنسان حين نفخ فيه الروح , فليس لابن آدم إلا الرضا بالقضاء والقدر , فما قدره الله كائن لا محالة , والله هو الحكيم الخبير !
** جزء من مقال **
وصلني في البريد الإلكتروني قبل ثلاثة أسابيع رسالة تطلب الدعاء لأخت اسمها هديل الحضيف , هذا الاسم ليس غريبا علي فهي ابنة محمد الحضيف الأديب المعروف , كما أن لها مجموعة قصصية أو روائية , وحيث أني لست من رواد الرواية والقصة فلم أقرأ لها شيئا , اللهم سماعي لها في مداخلة هاتفية تتكلم عن تجربتها في التدوين !
فتحت الرسالة فإذا هي نداء من والدها بالدعاء لابنته فقد دخل صباح ذلك اليوم لإيقاظها , فإذا بها على غير العادة لا تلبي النداء وقد علا وجهها زرقة !
هديل الحضيف أديبة مبتدئة في الخامسة والعشرين من عمرها , قد يكون لشهرة والدها أثر في شهرتها لكن الحق يقال كما يقول متابعوها أنها أثبتت نفسها , يقول عنها والدها ( هديل هي الحلم والمشروع الأجمل ) فهي بكره , ورفيقته في أيام محنته ! كانت له معها جلسات سمر , زادت على كون الأب مع ابنته إلى تلميذ نجيب يتعلم من شيخه !
أسرع بها والدها إلى أقرب مستشفى عن طريق الإسعاف وكان خاصا , فلم يكن بالشكل المطلوب من ناحية الخدمات كما يذكر هو , وابنته تعاني من غيبوبة لا يُعرف أسبابها أو بالأصح لا يَعرف الأطباء هناك أسبابها ! فطلب نقلها إلى أحد المستشفيات الحكومية -لأنها أحسن من الخاص على الأقل- , ولكن لا حياة لمن تنادي , والحجة هي الحجة المقيتة والبائسة : لا يتوفر سرير ! ولو كان من أصحاب النفوذ ورؤساء الوزارة وأصحاب الفن العفن لأفرغت له الأجنحة الخاصة , هي لا تريد جناحا إنما - سرير - تُعالج وتُمرض عليه , لا لتنام فيه وتنظر في ليونته !!
تسامع الناس بالخبر وبلغ النداء رجاء الصانع مع اختلاف التوجه لكنها سعت وسهلت لها أمر العلاج في أرقى المستشفيات الأمريكية والتي يعالج فيها القساوسة والرهبان ! كما يقول هو , وآخر من دبي يجعل دبي بكاملها تحت يده , وأسرة ثالث من بريطانيا تعرض عليه خدماتها ! ومع هذا كله لم تفلح جهوده في نقلها !
إلى هذا الحد وصلت قيمة روح الإنسان , فأين المتغربين الذين أزعجوا الناس بهوائهم الغربي , الغرب يفتح مستشفيات ضخمة ويستنفر جهوده لعلاج هرة ! أم أن الهواء الغربي فقط هو ما لامس الهوى النفسي لديهم ! يراعى المرء هناك بدوافع إنسانية ونحن أهل الإسلام لا نقيم لنفس مؤمنة أعظم من الكعبة حرمة حقا ! إن هذا لشيء عجاب !
إن مما يحز في النفس أن يدركك نفع البعيد وتجاهل القريب , فكيف بإدراك نفع البعيد وضر القريب !
بعد عشرة أيام مرت على أحبابها كالسنين , تم نقلها إلى مدينة الملك فهد الطبية بطريقة سيئة كما يذكر عند نزع الأوكسجين ؛ وما أصعب أن ترى فلذة كبدك يصارع الموت ويعامل ببرود وأنت لا تستطيع أن تقدم شيئا .. بعد نقلها لم يُبيَّن لوالدها حقيقة ما بها مما جعل الأب يتعلق بحبل الرجاء وأن يقطع أسباب الأرض ويلجأ إلى مسبب الأسباب !
أتى من يرقيها فبدأت تحرك قدمها , وتحرك رمش عينها , وفي يوم الأربعاء تدخل هديل الحضيف فيما يسمى بالموت الدماغي وفي صباح يوم الجمعة الماضية تصلني رسالة إلكترونية بأن هديل فاضت روحها إلى بارئها ! رحمها الله رحمة واسعة .
رحلت هديل ولم تغب عن مخيلتي من حين قرأت خبر وفاتها, ولا أظن أنها ستغيب , فهي أحد سهام كثيرة ركزت في القلب فمن عبير إلى رحال ثم هديل .. فمن يا ترى سيكون الواعظ القادم !
يحدثني أحد الشباب عن زميله قبل علمي بخبر هديل بساعة .. يقول كان في غاية الوسامة والجمال , كما أنه في غاية التفريط , جلس مع أهله بعد العصر ثم شكى ألما في رأسه وسقط , فإذا به ورم ثم غيبوبة لستة أشهر زاره بعدها صاحبه فلم يعرفه ! وأخرى بلغني خبرها أنها كانت تسامر زوجها ثم ضحكت وسقطت فقال لها بلهجته ” خلاص يكفي ضحك ” وحركها فإذا هي جسد بلا روح في كامل زينتها ! إنها ساعة الأجل التي أرقت كل مخلوق !
سئلت نفسي لو علمت هديل بساعة وفاتها هل كان ذلك نافعها , فهي نامت قريرة العين لكنها لم تصحو بعد تلك الغفوة وبعد ثلاثة أسابيع أسلمت روحها ولم تفتح عينها . نامت وهي تفكر في أعمال غد ماذا ستكتب وماذا ستقول ! أو أنها كانت تسبح وتستغفر , لكنها يقينا لم تكن تعلم أنها لن تفتح عينها بعد هذه اللحظة ! كان آخر علمها بمن حولها تلك الغفوة ! والتي قد تحصل لأي منا !
رحلت هديل .. وهي لا تعرف عما دار في ثلاث أسابيع عنها , لكن ثقة بالله جل جلاله أنها على خير , لما سمعنا من التزامها بحجابها , وأنها بإذن الله تعالى ستكون على عتبات الجنة الحقيقية وليست مدونتها التي أسمتها بهذا الاسم !
أثنى عليها الناس خيرا , وتناقل الناس والمدونات والمنتديات وبعض الصحف خبرها , وقد ثبت في الحديث أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثني عليها خيرا فقال وجبت ثم مر عليه بجنازة فأثني عليها شرا فقال وجبت فقيل يا رسول الله قلت لهذه وجبت ولهذه وجبت فقال شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض صحيح ابن ماجه
فليس الثناء وحده كاف ؛ بل لابد أن يكون ثناء بخير , فكم من أهل الفجور أثنى عليهم أتباعهم وترحموا عليهم ولكن في ميزان الحق عمله ليس بخير . فتأمل التقييد بخير واعرف ما هو الخير , تعرف أحق ما قيل فيه أم باطل !
الناس لا تملك قلوبها , إنما هي ملك الرحمن الرحيم , وتعاطف الناس معها , بل والحديث عنها مع أنهم لا تربطهم بها أي علاقة وأولهم كاتب هذه السطور , لدلالة على أن الله أراد بهذه الفتاة خيرا , يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى ) وكل خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو لأمته ما لم يرد مخصص للخطاب كما قرر أهل الأصول !
رحلت هديل , تلك الفتاة التي لا نعرف منها سوى الرسم والحرف ! تلك الفتاة التي أراد الله جل جلاله أن تكون هكذا .. كتب وجودها وأجلها .. إن لله على العباد حقا .. ألا يعذب من لا يشرك به شيئا .. هديل من أهل التوحيد .. فهي بإذن الله من أهل النعيم .. إن كانت الآن منعمة .. فإنها بكل تأكيد لا تود العودة إلى هذه الحياة البائسة .. ومما يزيد نعيمها أن ندعو لها .. فما عندكم ينفد وما عند الله باق .. ولنتذكر أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حينما خير بين البقاء أو الوفاة .. قال اللهم في الرفيق الأعلى …
صبرا آل حضيف .. فإنها أيام معدودة وآجال محسومة ,, وأجل الله إذا جاء لا يؤخر .. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته ..
الحديث يطول والكلام كثير , لكنها كلمات سارعت بالخروج وحبر بدأ بالتشكل فور سماع خبرها فرحمها الله رحمة واسعة !

** طيور مهاجرة >>
رحلت هديل إلى دار فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين , وهو يومها الذي كتب قبل خلق السموات والأرض ومن جميل ما قيل عنها هذه الأبيات :
تنام روح هديل عن شواردها = ويسهر الخلق جراها ويختصم !
هلاّ وعينا لأمر لم نعد له = وهل سعينا لما تبرا به الذمم !
ردا على من انتقص من قدرها وذمها , هناك من النفوس من ألجمت حسدا فظيعا فلا هي دعت بخير ولا اكتفت بالسكوت ! وكم من ضاحك بقوم أصبح أضحوكة لغيره , وكم من شامت بقوم أصبح في حال أسوأ ممن شمت به ! وربك لا يظلم أحدا ..
ماتت هديل؟! أمات الطهر والأدبُ = والخير والحسن والإصلاح والأربُ
رحماك ربي بها واجعل منازلها = في جنة الخلد لا همٌ ولا وصَبُ
تبكيك أرضٌ صدحتِ فوق أيكتها = و يح المحابر جفّت بعدها الكتبُ
يبكيك بيتٌ عرفناكِ بساحتهِ = حقاً لقد صار نحو الجنة العَتَبُ
قد كنتِ في حلكة الأكوان ساريةً = تدنو من الفُلْكِ بالبشرى وتقتربُ
عاريَّةً جاد فيها الله مالكها = واليوم تُفضي لباريها وتنقلبُ
لله فينا شؤونٌ لا نعارضها = فالله ألله يا أحبابها احتسبوا
لنا لقاءٌ طويلٌ غير منقطعٍ = بإذن ربيَ في الفردوس فارتقبوا!!
** نقطة عبور **
ليس هناك ما يعبر عنه فقد أغنت العبرة عن العبارة , وقبل أن تَعْبُر فأرجوك أن تعتبر ؛ فقد نكون في يوم من الأيام كحال هديل ! فطوبى لمن أزاح العقبات عن طريقه إلى الجنان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق