ليعبدون

الأحد، 15 يوليو 2012

( وإنا على فراقك يا أماني لمحزونون )



بواسطة أبو سارة سامي الخالد ـ



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هذه قصة أختي أماني كتبتها قبل عدة سنوات رحمها الله وقد أحببت أن تبقى ، لعل كل من يقرأ قصتها يدعو لها ..
 
 بداية أسأل الله أن لا يريكم مكروه وأن يثيبكم على دعاءكم ويحفظ لكم أهلكم جميعا .. أكتب هذه الخاطرة أو القصة أو الرواية وأنا أعلم أن الكثير منكم ربما تعرض لوفاة قريب أو فراق حبيب وربما فجع بأشد من فاجعتي .. ولكن قل كتبتها تنفيساً لما يجول في خاطري .. وإن شئت قل فيها من فوائد وعبر الزمان والله المستعان وعليه التكلان .. كنت قبل أيام جالساً مع والدتي وأخواتي سهرت معهم في أثناء زيارتي لحائل وكنا نتجاذب أطراف الحديث ونتمازح ورأيت صغيري متعلق بأختي - التي توفيت - ويتبعها بكل مكان بل وأطفال أخوتي وأخواتي وكأن وأمراً يقول لهم أنها ستودعكم !! طبخت لنا العشاء وكانت مبدعة في ذلك ومضرب للمثل في حسن تدبيرها وطبخها .. وتناولنا العشاء ثم قلت لوالدتي متى ستزوروننا في المدينة فقالت قريباً إن شاء الله فأخواتك مشتاقات لذلك وخاصة أماني فاقترحت أن آخذ معي بعض الصغار وأسبقهم هناك حتى يمرونني في المدينة ونذهب سوياً للعمرة ومن ثم إلى ينبع ... وفي المنام رأيت كأني أقبل يدي أمي وأبكي بسبب حادث سيكون فظننت أني أنا المقصود فأسررت أمر الرؤيا في نفسي وعند وداع أمي قبلت رأسها ويديها وقلت سامحيني أن أخطأت عليك بشئ فكانت كثيراً ما تدعوا لي وتخبرني برضاها عني .. بعد ذلك سبقتهم ووصلت المدينة وأنا يدور في خاطري أمر الرؤيا وأسأل الله السلامة وكانت زوجتي وأبناءي معي ولم يشعروا بشئ وبعد وصولي حمدت الله على العفو والعافية .. بعدها بأيام قليلة أخبرتني أمي أنهم سيأتون لي غداً ويخرجوا من حائل قبل العصر بقليل وسيرتاحون لدي عدة أيام ونخرج بعدها لمكة .. وكانت أمي تقول : والله أن هذا السفر لأجل أماني فهي مشتاقة للمدينة ومكة في هذا الشهر شعبان بالرغم من أني طلبت منها تأجيلها لرمضان .. فقلت : لا بأس تعالوا وفي رمضان عمرة أخرى بإذن الله .. خرجوا من حائل وكنت مواصل معهم في الجوال فخرج والدي ووالدتي وأختي الصغرى وأماني - رحمها الله - في سيارة يتلوهم أخي الأكبر وأبناءه في السيارة الأخرى .. كنت مشتاقاً جداً وأحسب لهم الدقائق والكيلوات ... أتصلت على والدتي بعد خروجهم بقليل وقلت لها أين وصلتم قالت : قطعنا مائة كيلو فسألت الله لهم التيسير وأتصلت على أماني - رحمها الله - وقلت مازحاً تجهزي هذه الليلة لأجل أن تطبخي لنا العشاء فأنا مشتاق لطبخك فقالت : بل أنت تجهز لنا لتحضر لنا من البيك .. فقلت أبشري .. بعدها بلحظات اتصلت بأمي وسألت عنها فقالت قطعنا مائتين كيلو وقلت كيف والدي قالت بخير وهو في نشاط ... فذهبت للمركز التجاري واشتريت لأهلي ما لذ من الطعام وجهزت الفرش لأجل أن يرتاحوا من السفر .. وما علمت أن الأقدار يجريها الله في غفلة منا وحكمة منه سبحانه .. بعدها بساعة أتصلت على جوال والدي ولم أجد إجابة ثم أتصلت على جوال والدتي ولم أجد إجابة ثم جوال أختي ووجدته مقفل ثم جوال أخي ولم يرد فخفت وجلست أفكر وقلت ربما يصلون المغرب والعشاء ولكن كان الخوف يراودني .. مرت دقائق كأنها سنوات وأنا أفكر ولم أخبر زوجتي بشئ وأنا أقول إن شاء الله أنهم بخير .. بعدها بنصف ساعة تقريباً أتصل أخي الكبير وقال لقد حصل لوالدي حادث بسيط وفقط هناك كسور !!! أجهشت بالبكاء وقال : لا تبكي الأمر هين كنت أخرج الكلمة بصعوبة وقلت أين أنتم وقال الان على السريع ننتظر الأسعاف على بعد سبعين كيلو من المدينة ... خرجت مسرعاً من البيت لوحدي قاطعاً الطريق لملاقاة أهلي .. بدأ الشيطان يلعب في تفكير وعلمت أنه عدوا ويستغل لحظات الضعف التي يمر بها الإنسان .. كنت أفكر في أمي كثيراً ووالدي وأخواتي يا ترى هل سلموا ؟!! هل أخي صادق أو فقط يهون علي الأمر ؟!! كنت أعلم أن أخي يحاول تهوين الأمر ولم يقل كسور إلا أن هناك شيئاً أكبر .. كنت أسير بسرعة فائقة لم أسرها في حياتي وكنت أجد صعوبة في رؤية الطريق من كثرة البكاء .. كنت ألح على الله أن يحفظ لي أهلي .. وجدت العرق يتصبب من جسمي ومن يدي بل أجد صعوبة في الإمساك بدركسون السيارة .. يالله ما أصعبها من لحظات ... تخيل موقفك في هذه اللحظات .. أتاني الشيطان وقال أهلك جميعهم ماتوا والرؤيا إنما هي عبارة عن وداع أمك .. تعوذت بالله من الشيطان ... الطريق سبعين كيلو كأنها سبعمائة وكنت أتصل على أخي كل بعد فترة ويخبرني أنهم في الأسعاف ... وفجأة في الطريق السريع رأيت على اليسار  سيارة أبي الجيب منقلبة وقد اجتمع عندها الناس والشرطة والأسعاف في منظر مهول ومحزن ومبكي .. أتصلت مباشرة على أخي وقال استمر في الطريق نحن جميعا في سيارات الأسعاف أمامك متجهين إلى قرية الحناكية لأسعافهم استمريت والمستشفى يبعد عن الحادث ثلاثين كيلو متر .. وصلت القرية على صغرها لا أدري أين المستشفى وكنت أسأل الناس حتى أرشدوني .. ودخلت المستشفى على عجل ووجدت سيارتين للأسعاف نزلت من سيارتي بسرعة لا أدري كيف أطفأتها .. وجدت والدي واقف وعلى ثيابه الدم فضممته وقبلت رأسه ويديه وأنا أبكي فأمسك أخي بيدي وأخلني على أمي ورأيت الأكسجين عليها والمغذي وهي تتأوه فلم استطع المقاومة بكيت أنا أقبلها وأناديها وكان يخرج من فمها دم في منظر لا أنساه بحياتي والدكتور يطمنني ويقول حالتها مستقرة .. ما أشدها من لحظة عندما ترى والدتك تتأوه أمامك من الألم .. وسحبني أخي إلى أختي الصغرى ووجدتها بوعيها غير أنها لا تستطيع الحركة وعندما رأت بكاءي تقول أنا بخير ووجدت المستشفى قد وضعوها على سرير خشبي لاحتمال كسر في العمود الفقري وكنت المسكينة تنتفض من الخوف وتسأل عن أمي وأختها .. ثم سحبني أخي للغرفة الأخرى وكشف الغطاء عن وجه أختي أماني فإذا أختي قد فارقت الحياة كنت أبكي وعندما رأيتها شهقت وقال أسأل الله لها الرحمة لا أدري ما الذي حصل لي تلك اللحظة ولكن أتذكر أني قبلتها ومسحت وجهها ورجل من وراء الستار يقول : لا تنس أنما الصبر عند الصدمة الأولى كان والدي بجانبي يراها ويبكي وكذا أخي .. يالله أصعب موقف مر علي .. ثم قال لي أخي أنتبه أمي وأختي الأخرى لم يعلموا فتصبر حتى لا نفجعهم في هذه الحال .. خرجت فإذا أختي تناديني وهي تبكي وتقول ماذا حصل لأماني فقلت لها إن شاء الله بخير وستدخل للأشعة .. هي كانت مصدقة وغير مصدقة لم تستغرب بكاءنا وظنت أننا لأجل خوفنا عليهم .. ولكنها لم ترى أختي ورأت فقط والدتي فقالت أنقلوني أرجوكم أريد أن أراها فقلنا لها : حالتها صعبة ويريدون نقلها للمدينة ... سكتت وهي تبكي خائفة ولكن الألم اشتد عليها .. كنت كثيرا ما أتردد على أمي وأقبل يديها ورأسها وأناديها وأنا أبكي وكانت ترد بصوت ضعيف وتقول : الله يخليكم ولا يفجعكم الله يحلكم الله يستر عليكم يا بعدي أنتم وأولادكم .. ما أرحم الأم .. وكنت أقول لها أمي سامحيني فكانت تدعوا لي بدعوات أسأل الله أن يجيبها .. ثم أخرج منها لأختي الأخرى وأطمنها ثم أذهب لأختي أماني وأنظر إليها وأبكي ... يالله ما أصعبها من لحظات .. كنت أنظر إليها ووجهها المشرق لم يتغير وكأنها نائمة .. وأنا أرفع صوتي كأني أسمعها وأقول يا رب أرحمها يا رب أغفر لها ... فما هي إلى لحظات حتى أتت الممرضات وقمن بتهيأتها لنقلها لمستشفى المدينة .. وكانت الممرضة تحرك رأس أختي ويديها وأنا كأني في حلم أتخيل أنها ستتحرك وستظهر بها الحياة ... ولكن هيهات فقد علمت بعد ذلك أنها عندما أنقلبت السيارة كان والدي قد ربط الحزام قبل الحادث بدقائق لأنه رأى من بعيد تفتيش والسلامة من الله .. وأختي عند إنقلاب السيارة خرجت من السيارة على رأسها وحصل معها كسر في الرأس إضافة إلى نزيف داخلي .. فقدت الأمل إلا بالله وكنت أنا وأخي وأبي نفكر كثيراً بأمي وكنت أقف أنظر لها باكياً وأسأل الدكتور وقال سننقلها الان سريعا لمستشفى المدينة وإن شاء الله لن يكون هناك نزيف داخلي ولكن احتمال كسر في الفكين وفي أحد الأضلاع .. أركبوها وأختي مباشرة بسيارة إسعاف وأركبوا أختي أماني بسيارة الموتى .. واتجهوا للمدينة .. ركب أخي بسيارته وركب والدي معي وهو يبكي ويقول والله أنها كانت تكرمني ولا تريد مضايقتي وتنظر لي لآخر لحظة .. كان أبي يحمد الله ويسترجع ويوكل شكواه لله .. تبعناهم لمستشفى المدينة أدخلوا والدتي للأشعة المقطعية وعملوا لي ثمان مرات الأشعة خوفاً عندما رأوا خروج الدم متقطع من الأنف والفم وكنا نسأل الله أن يلطف بنا .. وقبل ساعة من الفجر اجتمع الأطباء وقالوا ولله الحمد لا يوجد نزيف داخلي والدم مصدره أن هناك كسر في الأنف هو سبب النزيف وسنسعى لإيقافه .. وضعوها وأختي في العناية في غرفة واحدة وكانت أمي تسأل كثيراً عن أماني وتبكي ونحن نقول أنها بخير وفيها كسور .. كنا نخاف من إخبارها لأن والدتي فيها الضغط والسكر والقلب والسكر كان مرتفعا بشدة مما حدا بالأطباء أن يعطوها أبره منومة هي وأختي .. كانت والدتي رغم الجروح الكثيرة في وجهها تطلب مني أن أضع الغطاء على وجهها منذ أول ما دخلت المستشفى وكذا أختي وكان الدكتور رجل ملتزم ويقول أسأل الله أن يزيدكم حياء ولكن يا خالتي لابد أن أنظر للأنف لعلاجه فكانت تلف الغطاء على وجهها ولا تظهر إلا أنفها .. بعد ذلك طمننا الدكتور أن مرحلة الخطر زالت وأن هناك فقط رضوض شديدة في الجسم ولابد من بقاءهم أيام في المستشفى للتأكد .. اجتمعت في الانتظار في الخارج أنا ووالدي وأخي الأكبر وأخواتي الذين قدموا فور علمهم بخبر الحادث .. وكان والدي يفكر في كيفية نقل أختي للصلاة عليها في حائل .. وقلت لوالدي كيف تنقلها يا والدي لحائل ونترك المسجد النبوي والبقيع .. وكنت أظن والدي أنه يريد الصلاة عليها في حائل لأجل الأقارب ولكن قال لي وهو يبكي أريدها بجانبي حتى أزورها كلما أردت .. ذكرت لوالدي فضيلة الصلاة في المسجد النبوي وفضيلة البقيع وقلت له لنفكر الان في مصلحتها ونفعها فاقتنع الوالد وانشرح صدره للصلاة عليها في المسجد النبوي ودفنها بالبقيع .. بعد ذلك دخلنا على والدتي – ولم تنم - وقال بالله عليكم طمنوني على أماني فذكر لها أخي أنها فيها كسور وهي في العناية فبكت وقالت بل توفيت اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها .. خاف عليها أخي فأقسم لها أنها سليمة وأنها فيها كسور فقط  ، خرج أخي من عندها يقول لي هل علي أثم أقسمت بالله غير صادق ليس استهانة بالله ولكن خوفاً على والدتي !! خرجنا من عندها بعد نومها هي وأختي ولم يبق على الفجر إلا دقائق .. ذهبنا لمنزلي وكان والدي يبكي فهو أنسان رقيق القلب ويعطف على بناته كثيراً .. صلينا ونمنا جميعاً وذكر والدي أننا سنقوم الساعة التاسعة صباحاً لاستلام أماني والذهاب بها لتغسيلها استعداداً لصلاة الظهر عليها .. نمت وصحيت على مناداة زوجتي أن والدي يناديني قمت سريعاً نظرت للساعة فإذا هي الثامنة صباحاً وجدت والدي وأخوتي في المجلس وهو يبكي وذكر لي أخي أن والدي لم ينم إلى هذه اللحظة .. بكيت عندما رأيت بكاءه فأنا لا أتحمل أن أراه يبكي وما زلت أحدثه وأصبره وأذكر له بعض الأحاديث فكان يحمد الله وكان يردد الحمد لله على قدرة الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، الله يرحمك يا أماني الله يرحمك يا أماني الشكوى لله الشكوى لله .. بعدها بقليل أتصلت علي أختي في المستشفى من جوال أحد الممرضات وكنا لم نترك عندهم ولا جوال خوفاً من أن يعلموا الخبر فقد سار الخبر في حائل سريان النار في الهشيم وحتى في المنتديات كُتب تلك الليلة !! فقالت كيف حال أماني فقلت لها بخير فقالت : تعالوا الان إلينا ، فقلت : أن والدي وأخوتي نائمين بعد الحادث وهم متعبين جداً فصدّقت الكلام وسألتها عن أمي وقالت لم تنم وتفكر في أماني .. بعدها ذهبنا لمستشفى الميقات وهو قريب من أبيار علي وهو خاص للوفيات .. حضرنا هناك وذكرنا لهم اسم المتوفاة وجهزوا إسعاف لنقلها لمغسلة البقيع .. مما لفت إنتباهي أن المسؤل هناك يتصل على رجل ويقول له : تعال استلم جثة والدك منذ ثلاثة أيام وهو في الثلاجة !!! لم أسأله عن القصة فأنا وأخوتي في حزن على فراق أختي .. بعد لحظات دعونا لأجل أن نتعرف على أختي فطلبت بكل أدب من والدي الجلوس  لأني أعرف أنه لا يتحمل ذلك وفعلاً جلس وقال أذهبوا أنتم فذهبنا وكشفت الغطاء وقبلتها وقبلها كل أخوتي ونحن نبكي جميعا وكان وجهها مشرق وفيها جمال عجيب أجمل مما كانت عليه في حياتها ..
 
حملوها في الأسعاف ورفض والدي إلا أن يركب بجانبها وركبنا السيارة خلفهم وأحضرت زوجتي لأجل تغسيلها مع بعض الأخوات الداعيات .. ودخلنا مغسلة البقيع وغسلوها وكانت المُغسّلة تقول لزوجتي والله وجهها مشرق وبعض النساء يتغير لون وجوههن للأسود وبنتكم يدل أنها من أهل الخير .. وعند غسلها بدأ يتصبب العرق من جبينها فلعها رحمة من الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (المؤمن يموت بعرق الجبين ) حملنها واتفقنا على الصلاة عليها عصراً يوم الأربعاء 15/8/1428هـ حضر الأقارب والأهل وأمتلا البيت من الرجال والنساء لا حرمهم الله الأجر .. وفي صلاة العصر ذكر لي مسؤل المقبرة أنه لا يوجد جنازة إلا هي وفرط صغير فقط .. أدخلنها من باب الجنائز الذي كنت أرى الأموات يدخلون معه قبل أيام وما علمت أني سأُدخل أختي فيه بعد أيام !! صلينا صلاة العصر يالله كأني أشعر أن الصلاة سريعة وبعد الصلاة قال المؤذن ( الصلاة على المرأة والطفل يرحمكم الله ) آه ما أشد من عبارة .. تقدم الشيخ عبدالمحسن القاسم للصلاة عليها وكبر والناس خلفه .. كنت فرحاً لها لعل الله أن يجيب دعاء هؤلاء المصلين الذين يقدرون بمائة ألف والرسول صلى الله عليه وسلم عليه ذكر ( ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا؛ إلا شفعهم الله فيه ) رواه مسلم حملنها على الأكتف مسرعين ودخلنا البقيع ووضعوها في الصفوف الأولى لا يفصل بينها وبين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمتار وبجانبها القبر المنسوب لعقيل بن أبي طالب – رضي الله عنه – حملتها ووضعتها داخل القبر وأنا أبكي لأن هذه أخر مرة ألمس فيه أختي .. الغريب في الأمر عندما وضعناها في القبر طلبوا منا أن نضع طفل رضيع معها في نفس القبر ووضعناه معها .. بعد ذلك ذكر لي أهلي أنها قبل شهر تكررت عليها رؤيا ثلاث مرات أن أحدى قريباتي المتوفاة تراها أختي أماني في المنام وهي تعطيها طفل رضيع تقول : وكان جميل وكنت أحمله معي في المنام وأبحث له عن حليب كأنه طفلي !! والدي بكى كثيراً وكان من أجمل ما سمعت أحد المعزين يقول أحمد الله بنتك بجانب المهاجرين والأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بعدها بلحظات أتصلت أختي وكنت أقوى صوتي حتى لا تشعر ببكاءي وتقول أين أنتم لماذا لم تزوروننا فذكرت لها أني سنأتيها بعد قليل ذهبنا جميعا للمستشفى بدون والدي لأنه متأثر كثيرا .. دخلت على أمي وقبلت يديها وأنا أبكي وأسأل الله لها الشفاء كانت تظن بكاءي فقط لأجل حادثهم .. وأول سؤال كيف حال أختكم وما الذي حصل لها .. ذكرنا لها أنها في العناية وإن شاء الله ستستقر حالتها .. كانت تبكي وتدعوا لنا أن يحفظنا الله .. كانت تريد جوال يكون عندهم فذكرت لها أن جوالها فقدناه في الحادث وجوال أختي قد تكسر وفعلاً كان قد أنكسر في الحادث .. وهدفي أن لا تتصل على أحد فيفجعها .. بعد ذلك أتفقت مع أخي أن نهيء الخبر لوالدتي فكنا نقول أن أختي ربما تنقل بالإخلاء الطبي للرياض لأن حالتها تستلزم نقلها .. فكانت تسأل هل بها ضربة بالرأس ؟!! قلنا نعم فبكت وقالت : اللهم شافها .. قلت لها يا أمي أنت مؤمنه بقضاء الله وأنت ربيتينا على ذلك فدائما تردد اللهم أني راضية بقضاءك وقدرتك اللهم أني راضية بقضاءك وقدرتك .. حجزت لوالدتي - بعد يومين من دفن أختي - بالطائرة بعد أن تأكدنا من الدكتور أن والدتي وأختي بإمكانهم الخروج من المستشفى ومراجعة العيادات لأجل الرضوض وكسر الأنف .. ووالدي سبقنا لحائل وكان الناس ينتظروننا .. خرجت والدتي بالليل من المستشفى وأحضرتها لبيتنا وألزمت أن تصلي الفجر بالمسجد النبوي هي وأختي وبالفعل أشترينا كرسي لوضعها فيه لأنها لا تستطيع المشي هي وأختي .. وصلينا الفجر وتصدقت بعد الصلاة على المساكين وتقول لعل الله أن يشافي أماني بهذه الصدقات ويصل أجرها لها .. ثم ذهبنا للمنزل وارتاحت .. قليلاً قبل الرحلة .. ركبنا الطيارة وحملوا والدتي وأختي بسيارة المرضى الخاصة للطائرة .. وأتفقت أن تستقبلنا خالاتي في المطار وإذا ركبنا السيارة نخبر والدتي وأختي حتى لا تنفجعان من كثرة الناس في المنزل .. وصلنا مطار حائل وركبنا السيارة وكان أمرنا شاقاً أن نخبرهم ، فتكلمنا عن أقدار الله والمصائب والأجر المترتب على الصبر وكانت والدتي فقد تسترجع وساكته وكأنها تنتظر الخبر .. أطلنا في الكلام وأتت ساعة الصفر أشارت لي خالتي أن أخبرهم فكنت اتكلم ثم قلت أسأل الله أن يتقبل أماني من الشهداء .. سكت الجميع قليلاً فقالت أختي يا بو سارة وين أماني ؟!! قلت أسألي لها الرحمة .. أجهشت والدتي بالبكاء وكذا أختي لم استطع تحمل الموقف وبكيت وقلت لها يا أمي لا يضيع أجرك عند الله أحمدي الله على قدره فكانت تحمد الله وتبكي وتسأل الله أن يرحمها .. دخلنا المنزل فإذا الأقارب والأخوال والأعمام وأبناءهم والأصحاب قد اجتمعوا عند بيتنا أدخلنا والدتي وهي تبكي وأجلسناها على الفراش المهيأ .. أحضرنا الدكتورة فقاست السكر فوجدته مرتفع بشدة فألزمت أن تعطي مهدي لتنام خوفاً على صحتها .. بعد ذلك لم تقصر الداعيات فقد حضر عند والدتي مجموعة من الفاضلات تقول والدتي بعد ذلك والله كان كلامهم أنس لي وتصبيرا .. كنا نسهر عن والدتي ونحاول تسليتها وكانت مثلاً للاحتساب وكانت كل يوم تصعد للدور الثاني بكل مشقة بعد صلاة الفجر بقليل عندما ينام الجميع وتقف عند غرفة أختي وتبكي لوحدها وتسأل الله لها الرحمة بدون علم الجميع .. تذكر أختي أنه وجدت في أغراضها الكتيبات الدينية والأذكار وقصائد كثيرة مدح وثناء بأمي .. طويت هذه الصفحة من حياة أماني .. فقد تخرجت من الكلية وكان من يخطبها كثير لأدبها ودينها وجمالها فأسأل الله أن لا يحرمها الفردوس الأعلى .. حمداً لك اللهم على سلامة أمي وأبي وأختي الأخرى .. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ... وإنا على فراقك يا أماني لمحزونون .. اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها ..
 
أبو سارة
كتبتها في 1\9\1428 هـ

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ارحمها واغفر لها وادخلها فسيح جناتك يا ارحم الراحمين

    ردحذف